النظام الداخلي للمدارس...نصوص معطلة وتجوازها الزمن

 النظام الداخلي للمدارس...نصوص معطلة وتجوازها الزمن 


شركاء وخبراء يؤكدون أن عدم احترام بنوده يشجع التلاميذ على التغيب

النظام الداخلي للمدارس… نصوص “معطلة” وتجاوزها الزمن!

انتقدت نقابات التربية المستقلة بشدة “توسع” ظاهرة عزوف تلاميذ أقسام الامتحانات الرسمية عن الدراسة، بشكل مخيف وتجاوز الحدود، خاصة في ظل غياب “الرقابة الأسرية”، حيث أرجعت السبب إلى عدم تطبيق النظام الداخلي للمؤسسة التربوية، بالشكل اللازم والصحيح، وهو ما يفتح المجال للغياب عن مقاعد الدراسة، حتى تصبح الأقسام خاوية على عروشها بداية من الفصل الدراسي الثاني، لافتة إلى أن هذه الظاهرة قد استهلكت وقت الإدارة المدرسية، والذي أصبح جل عملها يختزل في تسيير مئات الغيابات اليومية، لذلك، فقد صار لزاما تحيين “التشريع المدرسي”، أو صياغة نصوص قانونية وتنظيمية تحد من استفحالها.

إلى ذلك، استغربت بعض النقابات عدم لامبالاة الكثير من الأولياء بالظاهرة، وهم يبررون غيابات أبنائهم، بعلل وذرائع تثير السخط، أو بوثائق وشهادات طبية تطرح عدة تساؤلات، وهذا ما يؤكد بأنهم راضون تماما عن عزوف أبنائهم عن الدراسة، ويشجعونهم بذلك على ارتياد فضاءات غير مرخصة وغير قانونية يتم فيها تقديم دروس خصوصية بصفة غير منتظمة.


“الكلا”: نظام داخلي غير مطبق.. إما لنقص الكفاءة أو لخلل في القوانين

وفي الموضوع، لفت الزبير روينة، الأمين العام لمجلس الثانويات الجزائرية، في تصريح لـ”الشروق”، إلى أن المحافظة على المدرسة العمومية المجانية وترقيتها هي مهمة الجميع “وصاية، عائلة وموظفي القطاع”، لأنها المكان الذي تتجسد فيه أهداف السياسة التربوية للدولة، ولا يمكن السماح لأي طرف أن يتسبب في عرقلة تحقيق هذا الهدف.

ويبرز ذلك جليا، يضيف محدثنا، في القانون التوجيهي للتربية 04-08 والتشريع المدرسي الذي ينظم الحياة المدرسية، وجزء منه يتعلق بانضباط التلميذ وهي أولى خطوات تعلم الالتزام واحترام القوانين، كون النظام الداخلي للمؤسسة التربوية، هو محل التزام يطلب إمضاءه من طرف الولي في بداية كل سنة دراسية، مشيرا في هذا الشأن إلى أنه، وللأسف الشديد، الكثير من الإدارات المدرسية، تعد عاجزة عن تطبيقه واحترام بنوده لنقص في الكفاءة أو لعلة في القوانين نفسها، ومن أهمها المادة المتعلقة بمتابعة غيابات التلاميذ.


قرارات وزارية تشجع على الغياب وتؤسس للفوضى

وفي هذا الإطار، نبه المسؤول الأول عن النقابة، لفحوى القرار الوزاري رقم 833 المؤرخ في 13 نوفمبر 1991، المتعلق بمواظبة التلاميذ في المؤسسات التعليمية، وبالضبط المادة 21 منه، تخدم وتشجع على الغياب وتؤسس للفوضى وعدم احترام القوانين، وتضرب بذلك مصداقية المدرسة العمومية، بسبب طول مدة الشطب وعدد الإعذارات، على اعتبار أنها تنص على أنه إذا غاب التلميذ ثلاثة أيام متتالية يشعر الأولياء كتابيا ويتوجب عليهم تسبيب الغياب.

أما، في حال استمر الغياب بعد ذلك مدة أسبوع، يبعث إلى الأولياء بإشعار ثان، وفي حالة عدم الرد والتمادي في الغياب مدة أسبوع آخر ترسل المؤسسة إلى الأولياء إعذارا مضمونا يحدد مهلة أسبوعين، لتبرير الغياب أو الالتحاق بالمؤسسة، وإذا لم يلتحق التلميذ بالمؤسسة ولم يقدم تسبيبا لغيابه عند انقضاء المهلة المذكورة في الإعذار، فإنه يعتبر قد انفصل بإرادته ويتوجب حينئذ شطبه من القوائم، ومعنى ذلك أن 32 يوما كاملة وهي فترة زمنية للدفاع على هجران الأقسام التربوية، خاصة وسط تلاميذ أقسام الامتحانات النهائية، بحيث وصل الأمر إلى حد التسيب الذي لا يمكن السكوت عنه ينبه محدثنا.


مدارس “تستهلك” وقتها و”تختزل” عملها في تسيير الغيابات

إلى ذلك، أبرز الأمين العام لنقابة “الكلا”، أن هذه الظاهرة قد استهلكت وقت الإدارة المدرسية، حيث أصبح جل عملها يختزل في تسيير مئات الغيابات اليومية، وتداعيات ذلك على تمدرس التلاميذ وسير الدرس وحركة الأولياء داخل مؤسساتنا التربوية والتي تكاد لا تنقطع، ناهيك عن تأثيره على التحكم في عملية التقييم والتقويم وتوظيفها في التشخيص ومتابعة الأداء التعليمي والتحصيل التعلمي وتصحيح المسارات وفعالية اتخاذ القرارات.

وفي السياق نفسه، لفت أمين عام “الكلا” إلى أن الغريب في الأمر، هو أن الظاهرة تلقى دعم الكثير من الأولياء، وهم يبررون غيابات أبنائهم، بحجج وبراهين تثير السخط، كونهم يتابعون الدروس الخصوصية أو بوثائق طبية تطرح عدة تساؤلات.


تحيين التشريع المدرسي… خطوة هامة نحو القضاء على الغيابات

وتأكيدا لما سبق، دعا الزبير روينة إلى أهمية اتخاذ الإجراءات الكفيلة بضبط الالتزام والنظام داخل المؤسسات التربوية، بداية من العمل على تحيين “التشريع المدرسي” في هذا الجانب، إلى جانب التدقيق في الوصفات الطبية المقدمة لتبرير الغيابات، علاوة على الالتزام في إعداد الامتحانات وتصحيحها بالمعايير التي تسمح بتقييم حقيقي، لمستوى وكفاءات التلاميذ بعيدا عن البحث عن نسب وهمية لنجاحات لا تعكس الواقع بقدر ما تكرس للاستمرار في الرداءة وتعطي المبررات لتنامي الدروس الخصوصية من حيث لا ندري، وذلك لأجل ضمان المحافظة على مصداقية المدرسة العمومية، وحسن سير هذا المرفق العمومي الهام، على حد تعبيره.


الخبير بن عودة: الحجم الساعي الكثيف يخلق الملل الدراسي

ومن جهته، يعتقد الخبير التربوي عومر بن عودة، جازما، في تصريح أدلى به لـ”الشروق”، أن لظاهرة هجران التلاميذ لأقسامهم الدراسية في عز الدراسة، سبب رئيس وأسباب أخرى متعددة ثانوية، لكنها تؤثر إلى حد كبير في تغذية هذا العزوف.

ولفت في هذا الصدد إلى أن طبيعة البرامج الدراسية المقررة، تحمل زخما كبيرا لا يستوجب تقديمه كله لتلميذ لا يحتاج سوى إلى دروس تحقق له الغاية من الدراسة، وتحقق له الكفاءات والمهارات المطلوبة، كما أنه توجد دروس تفوق مستوى استيعاب التلميذ وفهمه، بل وسنه أيضا، وهذا ليس في صالحه من الناحية المعرفية، يؤكد محدثنا.

وفي السياق نفسه، شدد الخبير التربوي على أن لكثافة الحجم الساعي، أيضا الدور البالغ في خلق ما يسمى بـ”الملل الدراسي”، وذلك في حال ما إذا تم الأخذ بعين الاعتبار أن بناء شخصية التلميذ ليست فقط في عدد ساعات الدراسة، بقدر ما هي في طبيعة النشاطات التي يمارسها، والتي يجب أن تكون متنوعة، ويكون مخصصا لها من الوقت ما يسهم فعلا في تنمية مختلف مهارات التلميذ المعرفية، السلوكية، التربوية، التواصلية، وعليه فإن عدد ساعات الدراسة حاليا في المدرسة الجزائرية يمكن أن يساهم في عزوف المتعلم عن الدراسة.

إلى ذلك، نبه محدثنا إلى نقطة أخرى مهمة جدا، وتتعلق برضا الأولياء عن عدم حضور ابنائهم الدروس بالمدرسة العمومية، وفي مقابل ذلك يشجعونهم على ارتياد فضاءات غير مرخصة وغير قانونية يتم فيها تقديم دروس خصوصية بصفة غير منتظمة، وفي مكان غير آمن، بل وبمقابل أموال كبيرة واحيانا قد يلجأ بعض الأولياء إلى الاقتراض، ظنا منهم أن الغياب عن المدرسة واللجوء إلى مستودعات الدروس الخصوصية هو الحل للرفع من مستوى أبنائهم.


إعادة النظر في مدة شطب وعدد الإعذارات.. أبرز الحلول

واستنادا لما سلف، طالب عومر بن عودة بأهمية تشديد العمل بالنصوص القانونية والتنظيمية في مجال الغيابات، كالقرار 833، والقرار 65، مع إعادة النظر في مدة الشطب، وعدد الإعذارات والمدد التي بينها، على اعتبار أن البعض أصبح يتحايل عند التغيب، لأنه يدرك أنه سيشطب في اليوم 33 من الغياب، وبالتالي فتجده يتغيب مثلا شهرا كاملا ويبرر في اليوم 31 أو 32 صباحا، ويتمكن من الاستفادة مجددا من الدراسة بشكل عادي، كما يمكن في ذات السياق من معرفة طبيعة المبرر والشهادة الطبية المقدمة، وليس أي مبرر أو أية شهادة.

وأبرز محدثنا بأن النظام الداخلي للمؤسسة التربوية، ورغم أنه يتضمن في محتواه مواد تخص المواظبة، باعتبار أنه قانون يحكم سيرها، إلا أن عدم تطبيقه بالشكل اللازم والصحيح هو ما يفتح المجال للغياب والعزوف عن الدراسة، حتى تصبح الأقسام خاوية على عروشها، بنسبة 100 بالمائة وفي جميع المواد.

أخبار التربية

أخبار التربية والتعليم في الجزائر 

أخبار التربية والتعليم في الجزائر

تعليقات